في محاولة لفهم طبيعة العمليات الارهابية التي اعتمدها تنظيم “القاعدة” منذ نشأته، نعود لفترة الجهاد الافغاني حيث أنشأ تنظيم “القاعدة” معسكرات لتعليم كيفية “القتال في الزحام” كما يقال وهي مجموعة من دروس الإستخبارات والتصفية والخطف والقتل. وكان البارز دروس تصنيع المتفجرات من مواد متوافرة في الأسواق المحلية، وذلك لتذليل عقبة لوجستية رئيسية تتعلق بصعوبة نقل المتفجرات بالطرق التقليدية عبر المطارات أو المرافئ.
كانت هذه المعسكرات بإشراف مدحت مرسي السيد عمر، مصري الجنسية معروف بـ”أبو خباب المصري”، مهندس وخبير في صناعة المتفجرات ومسؤول التدريب في تنظيم “القاعدة” (قتل في غارة اميركية على المناطق القبلية على الحدود الافغانية)، تخصص في هندسة المتفجرات وحرب عصابات المدن والعمليات الخاصة، عمل مدرباً في قواعد الجهاز العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين قبل انتقاله الى تنظيم “القاعدة”.
معظم الجيل الاول من تنظيم “القاعدة” هم من جماعة الاخوان المسلمين أمثال: الشيخ عبد الله عزام، أيمن الظواهري، مدحت مرسي السيد عمر”أبو خباب المصري”، أبو مصعب السوري الذي أسس “معسكر الغرباء” في كابل افغانستان. (اعتقلته السلطات الأمريكية في باكستان عام 2005 ورحلته إلى سوريا).
الجيل الثاني من “القاعدة” هم ممن شاركوا في القتال في أفغانستان وتدربوا في معسكرات القاعدة وأهمها معسكر الفاروق، كان الجيل الاول من الخبراء لديهم من الخبرة ما يكفي لصناعة عشرات أنواع المتفجرات في أي مكان من العالم وبمواد متوافرة في الاسواق. لحسن الحظ قتل معظم هذين الجيلين خلال الحروب المتلاحقة.
بعد سقوط أفغانستان، أسقط الأمن، فلم يعد بالإمكان السفر والإلتحاق بمخيماتهم قصد التدريب. فبرزت طرق أخرى للجهاد عبر الانترنيت وصفحات التواصل الاجتماعي، وهذا ما بات يعرف بالجيل الثالث لتنظيم “القاعدة”. هم من الهواة الذين طوروا خبراتهم من منشورات ودراسات الجيل السابق على صفحات الانترنت، فتوجهت القاعدة الى المسلمين في أميركا وأوروبا على وجه التحديد، بأن هناك طرقاً أخرى للجهاد دونما الإلتحاق بمخيمات التدريب، وإنما “يمكنك الجهاد حيث أنت”. ويبرر منظرو “القاعدة” هذا الخيار بأنه أفضل في استثمار الوقت والامكانات المادية والبشرية، فلماذا تنظيم عمليات كبرى كخطف طائرات وتوجيهها نحو ناطحات سحاب في عمليات معقدة تستلزم التدريب الطويل والحصول على تاشيرات السفر والتخفي لسنين طويلة، في الوقت الذي يمكن الحصول على مئات الجثث من قتلى عمليات مباشرة وحيدة يقوم بها مواطن محلي.
في البداية تم عرض محتوى دورات تصنيع المتفجرات المستعملة في افغانستان. وهذا ما أدى الى العديد من الحوادث، تسببت بمقتل العديد منهم، التصنيع المخبري من قبل هواة، ينتج مواد متفجرة غير مستقرة وهي عرضة للإنفجار مع مرور الزمن بسبب صعوبة تنظيفها بشكل كامل من الأحماض المستعملة خلال التصنيع، ما دفع بالارهابيين الى عدم تخزين المواد المتفجرة واستعمالها مباشرة بعد التصنيع وهو عيب رئيسي يحد من قدرات الإرهابيين. فهم لم يتعلموا أصول التصنيع المخبري في معسكرات القاعدة والتعامل مع حساسية المتفجرات (اي خطأ في التصنيع يؤدي الى ارتفاع مفاجئ لدرجات الحرارة والانفجار).
يعود الفضل في انتشار الموجة الثالثة للجهاديين الى “أنور العولقي” وهو أمريكي من أصل يمني. فقد استرعى انتباهه صعوبة القيام مجددا بعمليات جهادية ضخمة مثل هجوم الحادي عشر من أيلول أو تفجيرات مدريد في آذار 2004 أو تموز 2005 في لندن، فانتقل بالتركيز الى المجموعات الصغيرة جداً التي يسهل دعمها ايديولوجياً ولوجستياً، وحتى الإعداد الحربي يمكن أن يتم عن بعد، فلا حاجة بعد اليوم للمعسكرات. ويعتبر العولقي أول من أطلق مجلة جهادية باللغة الإنجليزية تحمل عنوان “انسباير” (إلهام). كانت مجلة Inspire مصدراً جيداً الى “الجهاديين” من الشباب والتي ساعدت فعلاً على كسب مقاتلين جدد من الخلايا الفردية خاصة في الولايات المتحدة وأوربا، بعد أن توفر لهم تفاصيل عمل المتفجرات والإجراءات الامنية التي تساعد “الجهاديين” بالتخفي وعدم تعرضهم للمراقبة والشبهات. وجاءت تفجيرات ماراثون بوسطن في 15 نيسان 2013، لتبرهن استمرارية وفاعلية عمل الخلايا الفردية. كانت مجلة Inspire اي “الإلهام” تصدر من تنظيم الجزيرة العربية واليمن وبإشراف الاميركي سمير خان والعولقي قبل اغتيالهما معا في تشرين الأول 2011 في اليمن، بواسطة طائرة من دون طيار “درون”، وكانت المجلة الكترونية تحمل توقيع الملاحم ميديا، وهي الفرع الاعلامي لتنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب. المجلة روجت لما بات يعرف بـ “استراتيجية الذئاب المنفردة” والذي وضع أسلوباً جديداً في المواجهة يرتكز على تنشيط الخلايا الصغيرة غير المترابطة، وأسلوب العمل الفردي المرتكز على الولاء الروحي والمعنوي فقط.
تقدم مجلة (inspire ) في سياق مساعيها لتجنيد ذئاب منفردة مفترضة، مواضيع توضح كيف يمكن صنع مواد متفجرة بأدوات منزلية عادية لا تثير الشكوك عند اقتنائها، وتقدمها تحث عناوين توحي بالبساطة والسهولة مثل:”كيف تصنع قنبلة في مطبخ أمك” و “أنت حر في إشعال قنبلة حارقة” وغيرها من العناوين، التي تندرج تحت عنوان كبير ثابت في جميع أعداد المجلة هو:”المصدر المفتوح للجهاد”jihad open source ويقول المحرر شارحاً أهمية هذا الباب في المجلة: “المصدر المفتوح للجهاد هو أسوأ كابوس لأميركا، نعطي الفرصة للمسلمين للتدريب في الداخل بدلاً من المخاطرة والسفر للخارج، أنظر أمامك المصدر المفتوح هو الآن في متناول يدك. “طاهي القاعدة” هو الإسم المستعار لمحرر القسم المذكور في المجلة، ويكتب مواضيع خطيرة، لها علاقة بتقنيات صنع المتفجرات من مواد بدائية، والمؤشرات تبين أن مقالاته بدأت تؤتي أكلها، فتامرلان تسارناييف وشقيقه جوهر مفجرا ماراتون بوسطن، لا يمكن أن يكونا إلا ضمن الفوج الذي خرجه “طاهي القاعدة”، فقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مسؤول أمريكي قوله بأن: “قاعدة اليمن مصدر الهام في تصنيع قنبلتي ماراتون بوسطن”. فطنجرة الضغط التي استعملت في التفجير، وسبق لطاهي القاعدة أن كتب موضوعاً عنها تحت عنوان :”كيف تصنع قنبلة في مطبخ أمك”، أشار فيه إلى أن: “إناء الضغط هو أكثر الوسائل فاعلية، قم بلصق الشظايا داخل إناء الضغط”، وبالتالي فأسلوب التفجير لا يخرج عن وسائل” القاعدة” التي تقدمها كأدوات بدائية يمكن أن تستخدم كعبوات متفجرة، وهي التقنية التي استخدمت في عمليات سابقة قام بها أفراد موالون لتوجهات القاعدة، كعملية تفجير مقهى أركانة في مراكش وعملية التفجير في ساحة التايمز في أميركا عام 2010 ونفدها فيصل شاه زاد وهو مواطن أميركي موال لحركة “طالبان” – باكستان.
إذاً، “استراتيجية الذئاب المنفردة” بكل تأكيد أسوأ كابوس لأميركا، و”طباخ القاعدة” هو أسوأ الطباخين سمعة في نظر الولايات المتحدة، وبحسب العديد من مصادر المخابرات فهو السعودي ابراهيم العسيري، خبير المتفجرات الذي أرعب العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق