الصفحات

الخميس، 15 ديسمبر 2016

الحرب “اللامتماثلة” الإيرانية على لبنان


تقود إيران حرباً على لبنان تعرف علمياً بمصطلح “الحرب اللامتماثلة” وهي الجيل الرابع للحروب. تلك الحرب لا تهدف الى تحطيم مؤسسة عسكرية أو القضاء على مقدرات الدولة في مواجهة عسكرية مباشرة بل إلى إنهاك إرادتها ببطء بعد نشر الفوضى في أرجائها.
لقد عرّف البروفيسور الأميركي ماكس مايوراينج الحرب اللامتماثلة على الشكل الآتي: “الحرب بالإكراه، إفشال الدولة، زعزعة استقرارها ثم فرض واقع جديد يراعي مصالح صناع الحرب وأهدافه”.
وفي تعريف أوضح، إنها تسخير إرادات الغير في تنفيذ مخططات العدو. حيث تتم زعزعة الاستقرار بصور متعددة ينفذها مواطنون من الدولة نفسها عبر نشر الفوضى والفساد والرشوة داخل الطبقة الحاكمة وإفساد قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية.
تقنيات الحرب اللامتماثلة تستهدف النظام الذهني عن طريق خلق أنظمة ذهنية داخلية متناحرة على جميع المستويات، تأخذ طابع حرب الجماعات الدينية أو حرب الجماعات المالية والاقتصادية حيث تمثل الأفكار محوراً مهماً في شن حروب الجيل الرابع.
الثقافة هي الهدف وهي محور التخطيط لهذه الحروب، التي تتمركز تخطيطياً حول الهجوم على ثقافة العدو، وتدمير منظومة القيم الثقافية والروحية لدى العدو بحيث تنهار الروح المعنوية والقيم النفسية الداعمة للمجتمع، وبالتالي يسهل اختراقه أو دفعه إلى الانهيار المادي أو المعنوي.
الاعتماد الكبير على المؤثرات النفسية والمعنوية والإعلامية، حيث تلعب هذه المؤثرات الدور الأهم في مسارات الصراع في حروب الجيل الرابع، إذ بحكم اعتماد هذه الحروب على الأفكار فإن البوابة التلقائية والساحة العملية للمناورات والاشتباكات والتفاعلات تتمركز حول المؤثرات النفسية والمعنوية والإعلامية.
تفكيك الروابط الاقتصادية والأمنية والعسكرية، على الرغم من أن الثقافة هي جوهر الصراع في حروب الجيل الرابع، فإن نجاح هذه الحروب يتطلب بشكل موازٍ توافر قدر فاعل من المؤثرات على الصعد الاقتصادية والأمنية والعسكرية (مثل خلق منظمات مسلحة خارج نطاق الدولة) كي تساعد في الضغط القوي حين يلزم لتمرير خطط التدمير التي تستهدف الدول والشعوب.
 على الرغم من أن هناك العديد من الخطط والأنماط التي شهدها العالم منذ عقود مضت للإضراب أو الاعتصام أو العصيان أو غير ذلك من مظاهر التحرك الداخلي ضد الدول، فإن مثل هذه الأنماط لم تعمل وفق حراك عشوائي قائم على الاجتهادات الفردية، بل باتت تدرس ويتم التدريب عليها في منظمات دولية (الحرس الثوري الإيراني) ودول ترعى أفراداً وجماعات محلية منتشرة في دول شتى من العالم (حزب الله اللبناني وفروعه في مختلف الدول) لاستخدام هؤلاء الأفراد والجماعات وتوظيف قدراتهم ونشاطهم في إحداث التغيير الداخلي في أي دولة مستهدفة.
التخطيط البعيد الأمد هو السائد في مثل هذه الحروب، حيث تظهر خطورة بعض الممارسات الفردية بعد سنوات عدة عندما تلتئم وتصطف ضمن منظومات عمل جماعية مُحكمة تشكل بؤرة انطلاق لاستهداف استقرار الدول والمجتمعات وإشعال الفتن والمؤامرات داخلها ودفع الحكومات المركزية والمؤسسات العسكرية والاقتصادية الى التفكك والانحلال، كما حدث في لبنان والعراق واليمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق