خلال الصراعات في العراق وأفغانستان، أصبحت العبوات
الناسفة اليدوية الصنع من الأسلحة الأكثر فتكا على أرض المعركة. في العراق وحده، تسببت
بنصف أو بثلثي الخسائر التي تكبدها أميركا في كل حروبها وقتلت عشرات الآلاف من المدنيين، وتحولت
عنصرا رئيسيا في حركات التمرد في جميع أنحاء العالم.
عند انطلاق حالة التمرد في العراق، بدأ استخدام لعدد
ضئيل من العبوات الناسفة شهريا ثم تحول إلى المئات حتى بلغ 2400 عبوة ناسفة في
الشهر، هذا ما أدى في نهاية المطاف إلى إنشاء المركز التحليلي للأجهزة الناسفة
الإرهابية.
خلال 12 عاما استطاع المحللون، عبر استخدام بيانات المركز
في ربط أكثر من 2700 مشتبه بهم بأنشطة إرهابية محتملة، وإدراج أكثر من 350 إلى
قائمة مراقبة الإرهاب. كما جمع
المختبر ووزع 80 ألف بصمة أصابع على وكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم. المركز
حقق نجاحا ملفتا وتطور بسرعة كبيرة.
يقوم المحققين بمقارنة الأدلة المادية جنبا إلى جنب مع
موقع وتصميم ومواد العبوات الناسفة، يمكن للمحققين أن يرسموا روابط بين القنابل
وصانعيها. بحيث يمكنهم تعقب عبوات ناسفة متعددة إلى مصنع واحد أو حتى فرد واحد. كما
يمكنهم متابعة المواد والتقنيات جديدة، أو يمكنهم مواصلة تحليل الأدلة لسنوات،
وتعقب صانعي القنابل والمتدربين عليها طيلة هذه الفترة.
عندما تصل عبوة ناسفة إلى المركز التحليلي للأجهزة
الناسفة الإرهابية، تخضع لما يُسمى "امتحان الدخول". أولا، يفكك فنّي المختبر
الجهاز ويخلق خطة فحص إستنادا إلى نوعها ونوع الأدلة التي أمكن إنقاذها. بعد ذلك
يصور التقنيون كل عبوة ناسفة، من الداخل والخارج، بدقة علية، بحيث تكون أحرف
مكونات الرقاقة الفردية المنقوشة مرئية بوضوح. تذهب تلك الصور إلى قاعدة بيانات المركز
التحليلي للأجهزة الناسفة الإرهابية، حيث يتمكن المحققون أو فنيّو القنابل في
الوكالات الشريكة (الحليفة) في جميع أنحاء العالم من الوصول إليها.
هذا السجل البصري هو أمر حيوي. إن الطريقة التي يُلحم
بها صانع القنابل مفصلا أو يلوي سلكا يمكن أن تكشف إن كان أعسرا أم أيمنا. يمكن أن
تكون بعض التقنيات أو الإنشاءات المعينة بمثابة توقيع لفرد أو مجموعة من صانعي
القنابل.
تنتقل جميع الأجهزة بعد ذلك إلى مراحل التحليل الأخرى.
يذهب بعضها إلى مختبر علامات الأدوات في مكتب التحقيقات الفيدرالية، حيث يبحث
خبراء الأدلة الجنائية عن علامات مجهرية فريدة من نوعها، خلّفتها أدوات أو آلات
محددة. في حال بقيت القنبلة سليمة كليا أو جزئيا، يفكك المهندسون الأخصائيون
هيكلها، لمعاينة تلك الجوانب المميزة التي يمكن أن تشكل توقيع صانع القنبلة. ينظف أخصائيو
علم الإحصاء الحيوي الأجهزة لرفع بصمات الأصابع أو تعقب الحمض النووي الذي يمكن
ربط عبوة ناسفة بصانعي القنابل.
بقدر ما يُسرع المحللون في المركز التحليلي للأجهزة
الناسفة الإرهابية في معالجة العبوات الناسفة، تتمكن وكالات إنفاذ القانون في
الولايات المتحدة والخارج من العثور على صانعي القنابل قبل أن ينفذوا عملياتهم مرة
أخرى.
بما أن الصراعات العالمية تنطوي بشكل متزايد على جهات
بلا وطن وعابرة للحدود، يوفر المركز التحليلي للأجهزة الناسفة الإرهابية شكلا من
أشكال الذاكرة المؤسسية ووسيلة لربط أعمال سابقة بأفراد في الوقت الحاضر، أينما
يذهبون.
نأمل أن تصبح الصراعات في أماكن مثل ليبيا وسوريا
والعراق ونيجيريا واليمن والفلبين ذكريات بعيدة، وحتى ذلك الحين سيستمر المركز
التحليلي للأجهزة الناسفة الإرهابية في الربط بين النقاط، وتذكر ما ينساه الآخرون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق